فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الهاء:
ويرد على نحوٍ من عشرين وجهًا:
1- حرفٌ من حُروف الهجاءِ، مَخْرَجُه من أَقصَى الحَلْق من جِوار مخرج الأَلف، يُمَدُّ ويُقْصَر، والنسبة هائىٌّ وهاوِىٌّ وهَوِىٌّ، والفعل منه هَيَّيْتُ هاءً حسنةً.
ويجمع على أَهْياءٍ، وأَهْواءٍ، وهاءَات، كَأَدْوَاءٍ وأَحْياءٍ وراءَات.
2- في حساب الجُمَّلِ الصّغير اسمٌ لعدد الخمسة.
3- الهاء الأَصلى ويكون في أَوَّل الكلمة نحو: هَبَط، أَو في وسطه نحو سَهُل، أَو في آخره نحو وَجُه.
4- الهاء المكرّرة ويكون: مخفَّفا نحو: مَهِهَ؛ ومُشَدَّدا نحو: سَهَّل ومَهَّلَ.
5- الهاء الكافِيَة، نحو طه، وكهيعص، فالطَّاء من طاهر، والهاء من هادِى.
6- هاءُ التَّذْكير، وتكون للمبالغة، نحو عَلاَّمةِ ونَسّابةِ، {يادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ}.
7- هاءُ التأَنيث، نحو قائمة وقاتمة؛ ويكون: للوَحْدَة نحو حَمامَة وغَمامة، وللجمع: نحو أَبْنِيَة وأَفْنِيَة، ويكون للتَّشْبِيه بالمُؤنَّث كغُرْفَة وظُلْمَة؛ أَو لِلمَرَّةِ، نحو: جَلْسَةٍ وسَجْدة؛ أَو للحالَة والهَيْئَة نحو: قَعْدَة ورِكْبَة؛ أَو للمصدر، نحو: رَحْمةٍ وكَرامَةٍ؛ أَو لِلْعِوَضِ نحو: عِدَة وزِنَةٍ.
أَو للمصدر على زِنَةِ فاعِلَة، كقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً}، {لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}، {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ} أَو لَغْو، وكَشْف، وخيانَة.
8- هاءُ الكنايَة، نحو: هُوَ، وهِىَ، قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ}، وقال تعالى: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ}، وقال: {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى}.
9- هاءُ العِمادِ: {إِنَّ اللهَ هُو الرّزَّاقُ}، {إِنْ كانَ هَذا هُوَ الحَقَّ} {إِنَّه هو يُبْدىءُ ويُعِيدُ}.
10- هاء الأَداة: ويكون للاستِبْعاد، نحو: هَيْهات؛ أَو للاستزادة، نحو: إِيهِ؛ أَو/ للانكفاف نحو إِيهًا، أي كفَّ؛ أَو للتحْضيض نحو:
وَيْهًا؛ أَو للدّعاءِ: نحو {هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَأبيه}؛ أَو للاستدعاءِ، نحو هاتِها؛ أَو للإِعطاءِ نحو: هاكَها، أَو للاستِعْجال، نحو: هَلًا وحَيَّهَلًا؛ أَو للمُسارَعَة نحو هَلُمّ؛ أَو للتوجّع نحو: آهِ وأَوْه؛ أَو للتعجُّب نحو: واهٍ، وهاهٍ؛ أَو للإِشارة إِلى المكان القريب نحو: هُنا وهاهُنا؛ أَو إِلى المكان البعيد نحو هُناكَ وهُنالِك؛ أَو للإِشارة إِلى الشخص الحاضر نحو: هَذا وهَذِه.
11- الهاءُ الزَّائدة في الأَوّل نحو: هذا وهَذه؛ وفى الآخر، وهو الَّذى يكون بعلَّة الوَقْف والتَّنفُّس؛ ولا تكون الزَّائدة في الوسط أَبدًا.
12- الهاءُ المُبْدَلَة من الياءِ، نحو: هَذِه في هذى، أَو من الهمز نحو: هِيَّاك في إِيّاك، وهَنَرْتُه وأَنَزْتُه، وهَرَقْتُ الماءَ وأَرَقْتُه، ومُهَيْمِنٌ ومُؤَيْمِن، أَو من الأَلف نحو إِنَّهْ في إِنَّا، ولَمَّهْ في لَمَّا، وهنهْ في هُنَا.
13- هاءُ الاستراحة: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}، {مَآ أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}، {هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}.
14- هاءُ النَّداءِ نحو: أَيَا زَيْدُ، وهَيا زَيْدُ.
15- هاءُ النُّدْبَة نحو: وَاأُمَّاه، وَاأَبَتاهُ.
16- هاءُ الأَمرِ: نحو قِهْ، أَوشِهْ، وعِهْ، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.
17-هاءُ الزَّجْر: {هَآأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ}، {هاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ}.
18- الهاءُ اللُّغَوِىّ، قال الخليل: الهاءُ عندهم بياضٌ في وَجْهِ الظَبْى، قال الرّاجز:
كَأَنَّ خَدَّيْه إِذا لَثَمْتها ** هاءُ غَزال يَافع لَطَمْتها

وقال النَّحويُّون: هاءُ التَّنْبِيهِ تدخل على أَربعة:
أَحدُها: الإِشارة غير المختصّة بالبَعِيد نحو هَذا، بخلاف ثَمَّ وهَنَّا بالتشديد.
وهُنالِك.
والثانى: ضميرُ الرّفع المُخْبَر عنه باسم الإِشارة، نحو: {هَآأَنْتُمْ أُوْلاءِ}، وقيل: إِنما كانت داخلة على الإِشارة فقدّمت، فَرُدَّ بنحو: ها أَنْتُم هؤلاءِ، فُّاجيب بأَنها أُعِيدَت توكيدًا.
والثالث: بعد أي في النِّداءِ، نحو: يا أيُّها الرّجلُ، وهى في هذا واجبةٌ للتنبيه على أَنَّه المقصودُ بالنداءِ، قيل: وللتّعويض عمّا تُضاف إِليه أَىّ، ويجوز في هذه عند بنى أَسَد أَنْ تُحْذَفَ أَلِفُها وأَن تُضَمَّ هاؤُها إِتْباعًا، وعليه قراءَة ابنُ عامر: {أَيُّهُ الثَّقَلان} بضمّ الهاءُ في الوَصل.
والرّابع: اسمُ اللهِ في القسَمِ عند حذف الحرف، يقال: ها ألله بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إِثبات أَلفها وحذفها.
وها تكون: اسمًا لفعل وهو خُذْ، ويجوز مَدُّ أَلِفها، ويستعملان بكاف الخطابِ وبِدُونها، ويجوز في الممدودة أَن يُسْتَغْنَى عن الكاف بتصريف همزتها تصاريف الكافِ فيقال هاءَ للمذكَّر بالفَتْح، وهاءِ للمؤنَّث بالكسر وهاؤُما وهاؤُنَّ وهاؤُمْ.
ومنه قولُه تعالى: {هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَأبيه}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
بسم الله اسم عزيز من تحقق بجلال عزته تمحض في خلوص عبوديته، وإذا وصل إلى ضياء صفوته نزل عن سيماء نعوته.
اسم عزيز من عرفه سمت همته، وإذا سمت همته سقطت عن الدارين طلبته.
اسم من عرفه زال كربه وطاب قلبه، دينه ربه وجنته حبه.
اسم عزيز من وسمه بعبوديته حرره من رق شهواته، وأعتقه من أسر مطالبه، فلا له لمحبوب طلب، ولا يستفزه لمحذورلا هرب.
الطاء إشارة إلى قلبه عليه السلام من غير الله، والهاء إشارة إلى اهتداء قلبه إلى الله.
وقيل طَأْ بِسرِّك بساط القربة فأنتَ لا تهتدي إلى غيرنا.
ويقال طوينا عن سرِّك ذِكْرَ غيرنا، وهديناك إلينا.
ويقال طوبى لمن اهتدى بك. ويقال طاب عيشُ مَنْ اهتدى بك.
{مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْءَانَ لِتَشْقَى}: أي ليس المقصود من إيجابنا إليك تعبدك، وإنما هذا استفتاحُ الوُصلة، والتمهيد لبساط القُرْبَةِ.
ويقال إنه لما قال له: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} [الحجر: 88] وقف بِفَرْدِ قدم تباعدا وتنزهًا عن أن يقرب من الدنيا استمتاعًا بها بوجهٍ فقيل له: طأ الأرض بقدميك... لِمَ كل هذا التعب الذي تتحمله؟ فزاد في تعبده، ووقف، حتى تقدمت قدماه وقال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا» أي لما أهلني من التوفيق حتى أعبده.
{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}.
فالقرآنُ تَبْصِرةٌ لذوي العقول، تذكرة لذوي الوصول، فهؤلاء به يستبصرون فينالون به راحةَ النَّفْسِ في آجِلِهم، وهؤلاء به يذكرون فيجدون رَوْحَ الأُنْسِ في عاجِلهم.
{تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)}.
جَعَلَ الأرض قرارًا لِعبادِه. ونفوسُ العابدين أرضٌ وقرارٌ لطاعتهم، وقلوبُ العارفين قرارٌ لمعارفهم.
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}.
استواء عَرْشِه في السماءِ معلوم، وعَرْشه في الأرض قلوبُ أهل التوحيد.
قال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] وعرش القلوب: قال تعالى: {وَحَمَلْنَاهُمْ في البَرِّ وَالبَحْرِ} [الإسراء: 70] أمَّا عرش السماء فالرحمن عليه استوى، وعرشُ القلوبِ الرحمنُ عليه استولى. عرشُ السماءِ قِبْلَهُ دعاءِ الخَلْق، وعرشُ القلبِ مَحَلٌّ نَظَرِ الحق فشتَّان بين عرشٍ وعرش!
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)}.
له الأشياء على العموم مِلْكًا، والأولياء تخصيصًا وتشريفًا. له ما بين السموات والأرض مما أظهر من العَدَمِ؛ فالكلُّ له إثباتًا وخَلْقًَا. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 8):

قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الملك لا ينتظم غاية الانتظام إلا بإحاطة العلم، وكان الملك من الآدميين قد لا يعلم أحوال أقصى ملكه كما يعلم أحوال أدناه لاسيما إذا كان واسعًا ولذلك يختل بعض أمره، اعلم أنه سبحانه بخلاف ذلك، فقال حثًا على مراقبته والإخلاص له: {وإن تجهر بالقول} أي بهذا القرآن للبشارة والنذارة أو لغير ذلك أو بغيره، فإنه علام به وغير محتاج إلى الجهر، فلا يتكلف ذلك في غير ما أمرت بالجهر به لغرض غير الإسماع {فإنه يعلم السر} وهو ما يناجي به الاثنان مخافتة {وأخفى} من ذلك، وهو ما في الضمائر مما تخيلته الأفكار ولم يبرز إلى الخارج وغيره من الغيب الذي لم يعلمه غيره تعالى بوجه من الوجوه، ومنه ما سيكون من الضمائر.
ولما كان من هو بهذه الأوصاف من تمام العلم والقدرة ربما ظن أن له منازعًا، نفى ذلك بقوله معلمًا أن هذا الظن باطل قطعًا لا شبهة له وأن ما مضى ينتج قطعًا: {الله} مفتتحًا بالاسم الأعظم الحاوي لصفات الكبر وغيرها {لا إله إلا هو} ثم علل ذلك بقوله: {له} أي وحده {الأسماء الحسنى} أي صفات الكمال التي لا يصح ولا يتصور أن يشوبها نقص ما، بل هو متصف بها دائمًا اتصافًا حقيقيًا لا يمكن انفكاكه، كما يكون لغيره من الاتصاف ببعض المحاسن في بعض الأحايين ثم يعجز عنه في وقت آخر أو بالنسبة إلى زمان آخر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما العلم فقوله تعالى: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى}، وفيه قولان:
أحدهما: أن قوله: {وَأَخْفَى} بناء المبالغة، وعلى هذا القول نقول إنه تعالى قسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام: الجهر، والسر، والأخفى.
فيحتمل أن يكون المراد من الجهر القول الذي يجهر به، وقد يسر في النفس وإن ظهر البعض، وقد يسر ولا يظهر على ما قال بعضهم.
ويحتمل أن يكون المراد بالسر وبالأخفى ما ليس بقول وهذا أظهر فكأنه تعالى بين أنه يعلم السر الذي لا يسمع وما هو أخفى منه فكيف لا يعلم الجهر، والمقصود منه زجر المكلف عن القبائح ظاهرة كانت أو باطنة، والترغيب في الطاعات ظاهرة كانت أو باطنة، فعلى هذا الوجه ينبغي أن يحمل السر والأخفى على ما فيه ثواب أو عقاب، والسر هو الذي يسره المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها، والأخفى هو الذي لم يبلغ حد العزيمة، ويحتمل أن يفسر الأخفى بما عزم عليه وما وقع في وهمه الذي لم يعزم عليه، ويتحمل ما لم يقع في سره بعد فيكون أخفى من السر، ويحتمل أيضًا ما سيكون من قبل الله تعالى من الأمور التي لم تظهر، وإن كان الأقرب ما قدمناه مما يدخل تحت الزجر والترغيب.
القول الثاني: أن أخفى فعل يعني أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه وهو كقوله: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] فإن قيل كيف يطابق الجزاء الشرط؟ قلنا معناه إن تجهر بذكر الله تعالى من دعاء أو غيره، فاعلم أنه غني عن جهرك، وإما أن يكون نهيًا عن الجهر كقوله: {واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجهر مِنَ القول} [الأعراف: 205] وإما تعليمًا للعباد أن الجهر ليس لاستماع الله تعالى، وإنما هو لغرض آخر، واعلم أن الله تعالى لذاته عالم وأنه عالم بكل المعلومات في كل الأوقات بعلم واحد وذلك العلم غير متغير، وذلك العلم من لوازم ذاته من غير أن يكون موصوفًا بالحدوث أو الإمكان والعبد لا يشارك الرب إلا في السدس الأول (1) وهو أصل العلم ثم هذا السدس بينه وبين عباده أيضًا نصفان فخمسة دوانيق ونصف جزء من العلم مسلم له والنصف الواحد لجملة عباده، ثم هذا الجزء الواحد مشترك بين الخلائق كلهم من الملائكة الكروبية والملائكة الروحانية وحملة العرش وسكان السموات وملائكة الرحمة وملائكة العذاب وكذا جميع الأنبياء الذين أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وكذا جميع الخلائق كلهم في علومهم الضرورية والكسبية والحرف والصناعات وجميع الحيوانات في إدراكاتها وشعوراتها والاهتداء إلى مصالحها في أغذيتها ومضارها ومنافعها، والحاصل لك من ذلك الجزء أقل من الذرة المؤلفة، ثم إنك بتلك الذرة عرفت أسرار إلهيته وصفاته الواجبة والجائزة والمستحيلة.
فإذا كنت بهذه الذرة عرفت هذه الأسرار فكيف يكون علمه بخمس دوانيق ونصف.
أفلا يعلم بذلك العلم أسرار عبوديتك؟ فهذا تحقيق قوله: {وَإِن تَجْهَرْ بالقول فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السر وَأَخْفَى} بل الحق أن الدينار بتمامه له، لأن الذي علمته فإنما علمته بتعليمه على ما قال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وقال: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] ولهذا مثال وهو الشمس فإن ضوءها يجعل العالم مضيئًا، ولا ينتقص ألبتة من ضوئها شيء، فكذا هاهنا فكيف لا يكون عالمًا بالسر والأخفى، فإن من تدبيراته في خلق الأشجار وأنواع النبات أنها ليس لها فم ولا سائر آلات الغذاء فلا جرم أصولها مركوزة في الأرض تمتص بها الغذاء فيتأدى ذلك الغذاء إلى الأغصان ومنها إلى العروق ومنها إلى الأوراق، ثم إنه تعالى جعل عروقها كالأطناب التي بها يمكن ضرب الخيام.
وكما أنه لابد من مد الطنب من كل جانب لتبقى الخيمة واقفة، كذلك العروق تذهب من كل جانب لتبقى الشجرة واقفة، ثم لو نظرت إلى كل ورقة وما فيها من العروق الدقيقة المبثوثة فيها ليصل الغذاء منها إلى كل جانب من الورقة ليكون ذلك تقوية لجرم الورقة فلا يتمزق سريعًا، وهي شبه العروق المخلوقة في بدن الحيوان لتكون مسالك للدم والروح فتكون مقوية للبدن، ثم انظر إلى الأشجار فإن أحسنها في المنظر الدلب والخلاف، ولا حاصل لهما، وأقبحها شجرة التين والعنب، ولكن انظر إلى منفعتهما، فهذه الأشياء وأشباهها تظهر أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
أما قوله تعالى: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَهُ الأسماء الحسنى} فالكلام فيه على قسمين.
الأول: في التوحيد اعلم أن دلائل التوحيد ستأتي إن شاء الله في تفسير قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وإنما ذكره هاهنا ليبين أن الموصوف بالقدرة وبالعلم على الوجه الذي تقدم واحد لا شريك له، وهو الذي يستحق العبادة دون غيره، ولنذكر هاهنا نكتًا متعلقة بهذا الباب وهي أبحاث:
البحث الأول: اعلم أن مراتب التوحيد أربع.
أحدها: الإقرار باللسان.
والثاني: الاعتقاد بالقلب.
والثالث: تأكيد ذلك الاعتقاد بالحجة.